صاحب النظرة القاتمة

بابلو بيكاسو مالك النظرة القاتمه بإيمانه أنَّ فنهُ الْمبهِر سيبقيه على قيدِ الْحياة و إِن امتدَّ بهِ الْوَهن و الْكُهولة، بيكاسو النّحاتْ و  الرَّسام الْعالَمي أعظمُ الفنانين تأثيرًا في الْقرنِ العشرين، و هو  مُؤسِسْ الْمَدرسة التّكعيبية مع زميلهِ جورج براك، التي تتمثل بالفن التجريدي و اعتمدت في رسمها للوحات على الأشكال الهندسية بعدما كانوا في العصور القديمة يحاكون المناظر الطبيعية ، عاشَ بيكاسو حياة مهنية فنيه مليئة بالإبداع و الإلهام المفعم، و التي ساهمتْ كثيرًا في تقدمِ و تطورِ الْفن في القرنِ العشرين.

من أشهر اللوحات الفنية التي نالت صدى واسع من قبل إلهامها الفقير و الحزين في قوائم أشهر اللوحات في التاريخ لوحة عازف الجيتار العجوز التي عُرِضتْ سنة 1904م، و هِيَ اللوحة التي كانتْ من حِصاد الّفترة الزّرقاء التي مرَّ بِها بيكاسو بحالةٍ مأساويّة آسية عِقْبَ انتِحار صديقه الأسباني كارلوس كاسيغماس ، و سُميت بالمرحلة الزّرقاء و ذلِك لكثرةِ استخدام بيكاسو درجات اللون الأزرق في بعض من لوحاتهِ الفنية التي تزامنت مع تعاطفه الْعميق لتأثره بفقدِ صديقه.

لوحة عازف الجيتار العجوز تتضمن عازف غيتار مسن و يوحي بالناظر إليها بإنه أعمى يحاكي بعدم وجود أي شعور أمل في حياته ، و تكسوه ملابس باليه رثّه، هزيلُ البنيةُ يَتغلغله الْوهن و الْحاجة الملحة، يَمكثُ بمكانٍ يَملؤهُ الكآبة و الإِستسلام للحياةِ بجانب انّه قد حاز منها بغيتار يأنسه إن لاحت به الحياة بالحزن و إِنْ أَحكمتْ عليه بِالعزلةِ، و قَدْ اتَخذَّ من آلةِ الْعزف كأداة لمواجهةِ بؤسَ الْحياة و مَشقاتِها ، و مشهدُ الْعازف في اللوحةِ لا يَقتبِسُ منها النّاظر الْحياةَ الْمألوفة بَلْ إنَّما مقاومة من الإقترابِ و الْخضوعِ للموتِ و تسترهُ على نفسهِ بفضاءٍ مُوحش، و قَدْ رسمها بيكاسو تحت تأثير الْمعاناة الحالكة التي لا مفر منها، و كثيرًا ما قد تعكس اللوحه صديقه لكاسيغماس ذاته رغم أنه قد انتحر و هو شابًا، و الوجه الآخر لقصة اللوحة انعكاسها لواقع راسمها بيكاسو حيث كان في الفترة 1902م يعيش حالة تقشف و إفلاس تام و كاد العازف المسن أن يقتحم مراد بيكاسو في تمثيله لحالة الفقر و الحاجة.

من الجوانب الفنية الحياتية المتمثلة باللوحه هي فقدان البصر مقابل نور البصيرة أي انّ بالرغم من أن العازف المسن أعمى لكن لديه نور البصيرة التي جعلت منه عازف على أن الآله أظهرت آية من آيات الحياة بالمشهد.

لوحة عازف الجيتار العجوز أسمى مراتب الإبداع و الإبهار و إن كانت بفترة يسكنها الألم و الفقد و العزلة، و هي أكدت أن المبدع لي أقتم حالته يظهر ابداعه و جمالية فنه، فالفنان مهما توالت عليه المصائب و كثرت عليه قسوة الحياة فالمخرج الأوحد و الأخير فنه، الذي يستطيع بإن يمده بالكثير من المواساه و السلوان.

خُلود الشبيبي

@Khulood_1259